تشهد العقود الاخيرة انتعاشاً وازدهاراً للثقافة الاستهلاكية في حياتنا وعالمنا ووعينا وسلوكنا الاجتماعي ،وغياباً للقيم الجماعية الجمالية والاخلاقية النبيلة ،ولهاثاً وراء المادة .وكذلك اهتماماً متزايداً للشكليات والمظاهر الزائفة ،ونكوصاً للافكار التحررية والدمقراطية والعلمية ،وتضاؤلاً للوعي الجماهيري لاهمية الثقافة في تنمية روح الابداع والعطاء والتطوع وبناء الأنسان العصري والحضاري .بالاضافة الى النقص في الاندية الثقافية والمعارك الفكرية والمساجلات السياسية.
وحقيقة ان جماهيرنا الشعبية الفلسطينية التي تواجه حصاراً ثقافياً واقتصادياً خانقاً واضطهاداً قومياً وطبقياً،تواجه في الوقت نفسه الثقافة الاستهلاكية الرخيصة ،التي تشجّع الانحراف الاجتماعي والانزلاق الى عالم الجريمة والمخدرات وتعلّم الخمول الذهني والبلادة الفكرية .لكننا مقابل ذلك نجد ثقافة اخرى مغايرة هي ثقافة الوعي ،الثقافة التنويرية العقلانية والدمقراطية الانسانية الاصيلة والعميقة والحقيقية ،التي تفجّر منابع الابداع وتنمّي التفكير الحر والمستقل وترسّخ القيم الايجابية والمفاهيم السياسية والفكرية والثقافية والجمالية المناهضة ل"ثقافة القطيع" كما وتجعلنا نبحث عن رؤى وأفاق جديدة لهذا العالم ،الذي يعج بالصراعات والتناقضات والنزاعات الاقليمية ،والوقوف امام الافكار الضبابية والطروحات الدينية السلفية .ولذلك فأمام الواقع العربي المأزوم والرديء والعاجز يجب التصدي للثقافة الاستهلاكية ومقاومتها وذلك بزيادة الاهتمام والتمسك بالتراث العربي الاسلامي والعودة الى مصافيه ومنابعه والاغتراف من معينه ومخزونه،الومضات والشذرات الانسانية والافكار الثورية وكل ما هو جميل واصيل وحقيقي وصاف ،ويدعو الى الحرية والانعتاق ورفض الذل والعبودية والهزيمة والاستسلام ،وأيضاً التجديد في الثقافة الجماهيرية والشعبية الملتزمة والمنحازة للانسان ،بحيث تكون ثقافة وطنية ،دمقراطية ،عصرية وحضارية عقلانية تتلاءم وتتجاوب مع متطلبات العصر وتطوره ،زد على ذلك تشجيع المبادرات في مجتمعنا باقامة النوادي والمراكز الثقافية والتربوية ،التي تساهم في انهاض وتأصيل الوعي وتعبئة العقل وتنويره بالافكار الدمقراطية والتجديدية الاصيلة والمعارف الفلسفية والعلمية الفكرية التقدمية.
هذه هي مهمة كل المثقفين والمبدعين ورجالات الفكر والادب والثقافة ،الذين يحملون هموم شعبنا واعبائه وتهمهم مصلحة مجتمعنا ومستقبل شبابنا، على امل ان تلقى هذه المداخلة اذناً صاغية وحافزاً لبدء حوار ونقاش جاد وبنّاء وهادف بحثاً عن الحقيقة في كل المجالات السياسية والفكرية والثقافية .